وكذلك فإن الستر حياة للمستور، الذي يتعامل مع الناس دون أن تشير إليه الأصابع، وتنهشه النظرات، وتقتله عقدة الذنب، وربما كان هذا بعض ما أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «من رأى عورة فسترها، كان كمن أحيا موءودة» (¬1)، ويقول المناوي في (عون المعبود): وجه الشبه أن الساتر دفع عن المستور الفضيحة بين الناس، التي هي كالموت، فكأنه أحياه، كما دفع الموت عن الموءودة من أخرجها من القبر قبل أن تموت) (¬2).
ولقد كان من هَدْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يؤثر الستر، حتى في حق مرتكب الكبيرة، لذلك كان يوجه بقوله "تعافّوا الحدود فيما بينكم" (¬3)؛ لئلا تُنقل إلى الإمام فتفتضح بإقامة الحد، لعل صاحبها يتوب، فيتوب الله عليه.
لقد بلغ من حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كرامة المسلم، وسلامة نفسيته، أنه حين جاءه رجل يقول له: «يا رسول الله إني أصبت حدًّا فأقِمْه عليَّ»، يقول أنس بن مالك: ولم يسأله عنه، وبعد الصلاة كرر الرجل مقالته، «فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم. قال: فإن الله قد غفر ذنبك» (¬4).
يقول ابن حجر: (وإنما لم يستفسِرْه إما
¬_________
(¬1) رواه أبو داود في كتاب الأدب - باب 45 - الحديث 4870 صححه الحاكم ووافقه الذهبي وضعفه الألباني.
(¬2) عون المعبود 13/ 235 من شرح الحديث 4870.
(¬3) صحيح سنن أبي داود برقم 3680 وصحيح سنن النسائي برقم 4539.
(¬4) صحيح البخاري - كتاب الحدود - باب 27 - الحديث 6823.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق