ألا وإن من تيسير الله تعالى ورحمته بعباده أن جعل لهم في السفر أحكاما وآدابا يعبدون الله بها على ما تقتضيه أحوالهم تلك المقرونة بالمشاغل الذهنية والجسمية وأتعاب السفر الشاقة، وقد علم الله عز وجل وأخبر في كتابه أن حال الناس لا يخلو من أمرين: إما ظاعن، وإما مقيم، قال تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم(1)}.
وإذا كان حال جميع الناس لا يخلو من الأسفار إما لحج أو عمرة أو غير ذلك، كان لزاما على المسلم أن يعرف ما تعبده الله به في هذا الأمر الذي يعتبر من ضروريات الحياة الدنيا، وقد تشعبت في بعض مسائله الأقوال وتبلدت عندها الأذهان(2).
لذا فإني أستعين الله عز وجل في جمع شتات ذلك من الأحكام والآداب الشرعية متحريا بفضل الله ثبوت ما أستدل به في ترجيح الصحيح من القول ودفع ضده، وقد جعلته على الأبواب الفقهية، فأذكر الباب ثم أذكر ما يدل عليه من الكتاب والسنة، ثم أذكر بعض خلاف أهل العلم مع بيان الراجح في المسألة بدليله حسب فهم علماء سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
__________
(1) ? ... سورة النحل، الآية:80.
(2) ? ... قال الإمام الشوكاني رحمه الله: واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب هي من المعارك التي تبلدت عندها الأذهان، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابا شديدا، وتباينت فيها الأنظار تباينا زائدا. ? من ?الدراري المضية شرح الدرر البهية? ص (93) طبعة الريان. والثلاث المسائل التي ذكرها هي: تحديد مسافة القصر، مدة قصر المتردد، مدة قصر من عزم على إقامة أيام ببلد من البلدان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق